Publications /
Opinion

Back
هل تندلع حرب النيل؟
Authors
January 29, 2018

بلغت أزمة حوض النيل الناجمة عن تشييد سد "النهضة الإثيوبي" مرحلة حاسمة، وأضحت في مفترق الطرقات بين الحرب والسلم، خصوصا بعد التحركات الدبلوماسية الأخيرة وبعد انطلاق حشد الجنود على الحدود. حيث يشير الخبراء المختصون في هذه القضية أن العلاقات بين دول حوض النيل متأرجحة بين الصراع والتعاون، ويقرون أن المفاوضات حول قضية الماء تشهد مدا وجزا وتقلبات بحكم توالي فترات من المقاومة والجمود وحتى التهديدات  في بعض الأحيان

إن تغير المواقف في العلاقات بين البلدان حول مياه النيل راجع إلى التحولات التي شهدتها هذه الدول منذ المعاهدات والاتفاقيات القديمة وحتى الوقت الراهن. ونذكر ضمن هذه التحولات النمو السكاني الذي زاد من الطلب على الماء وتطور التقنيات الزراعية وأنظمة السقي التي مكنت من تحويل مجرى المياه ونقلها على مسافات طويلة، وكذا تطور المراكز الحضرية الأكثر استهلاكا للماء مقارنة مع البنيات الريفية

علاوة على البعد الإقليمي للقضية، المحصور في البلدان المطلة على النهر، تمتلك بعض مناطق حوض النيل أهمية جيوسياسية خاصة تغذي أطماع بلدان من خارج المنطقة. ويتعلق الأمر بالدول المطلة على النيل وتلك المطلة على البحر الأحمر في الوقت ذاته (بما في ذلك إثيوبيا رغم أنها لا تطل على البحر الأحمر). وتهم قضية الماء بالتالي جيرانا جيوإستراتيجيين آخرين، ويتوسع مجال التعاون أو العداء ويتجاوز حوض النيل 

لذلك لا يمكن فصل الخلاف، حتى لا نقول النزاع، الحالي بين كل من مصر وإثيوبيا وإريتريا والسودان حول السد الإثيوبي على النيل عن الوضعية الجيوسياسية في الشرق الأوسط برمته وعن وضعية القرن الإفريقي المعقدة

عندما قام الوزير الأول الإثيوبي هايليه مريم ديساليغنه شهر نونبر/تشرين الثاني 2017 بزيارة رسمية من يومين إلى دولة قطر، لم يضم جدول أعماله المعلن إلا المواضيع المتعلقة بالاستثمارات القطرية في إثيوبيا في مجالي الصحة والزراعة. غير أن وقت الزيارة كان مصدر الكثير من التأويلات. فقد كانت قطر حينها تحت الحصار المضروب عليها من طرف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. بينما لم تتردد مصر في التهديد بالتدخل العسكري من أجل وقف مشروع تشييد السد الإثيوبي على نهر النيل. وكان تدهور العلاقات بين قطر وبلدان الخليج الأخرى الداعمة لمصر (خصم إثيوبيا في قضية النيل) مناسبة لم تتوان إثيوبيا في استغلالها من أجل العثور على موطئ قدم في الخليج والتحالف مع "عدو عدوها المصري" 

 هذا وأعلن الرئيس التركي مؤخرا، وبالضبط شهر ديسمبر/كانون الأول، عن تفويض السودان عن تدبير جزيرة سواكن (البحر الأحمر) وإدارتها إلى تركيا مقابل وعود بالاستثمارات وإعادة الإعمار والتعاون العسكري. حيث تنوي تركيا إنشاء قاعدة عسكرية هناك. ولا شك أن السودان على غرار بقية بلدان العالم حر في ربط العلاقات مع الدول الأخرى حسب رغباته ومصالحه. لكن مصر متوجسة من التواجد العسكري التركي على أبوابها، ولم ينس مسؤولها بعد دعم تركيا للإخوان المسلمين. وينطبق الأمر ذاته على المملكة العربية السعودية، حيث أثار التقارب السوداني – التركي حفيظة الرياض، وأزعجتها محاولة إخراج الخرطوم من تحت سيطرتها لصالح تركيا حليفة قطر القوية 

وتمتلك إثيوبيا علاقات جيدة مع السودان، بينما توطدت علاقاتها مع قطر منذ زيارة وزيرها الأول السالفة الذكر. أضف أن تركيا شريك استراتيجي لإثيوبيا كما يدل على ذلك تبادل الزيارات المنتظم بين البلدين (يرجى الإطلاع على الإطار). بينما يتموقع في الطرف الآخر من الحلبة أربع دول: مصر، حليف إريتريا، والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. حيث توجد كل من مصر وإريتريا في حوض النيل، شأنها في ذلك شأن إثيوبيا والسودان، وهما معنيتان مباشرة بالقضايا المتصلة بمياه هذا النهر. في حين تهتم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على غرار تركيا وقطر، بهذا الخلاف لأسباب جيوإسراتيجية مرتبطة بالبحر الأحمر والخليج والشرق الأوسط أكثر من ارتباطها بمياه النيل 

 ويذكرني هذا الاصطفاف في معسكرين مستعدين للاصطدام بالمقالة التي ساهمت بها في المجلد الثاني من الحوارات الاستراتيجية بين مركز الدراسات والأبحاث و مدرسة الدراسات العليا التجارية  باريس، حيث أشرت حينها إلى الديناميات الثلاث التي تميز المنطقة، ومن بينها دينامية الحرب ودينامية التدخلات الأجنبية 

حسب آخر المعلومات، بدأ السودان في حشد الجنود على الحدود مع إريتريا بدعوى أنها قاعدة مصرية متقدمة وأنها تشكل تهديدا على الوحدة الترابية السودانية. ويبدو أن الأوضاع بين إريتريا وإثيوبيا أقرب للحرب منها إلى السلم. بينما يتأرجح الخطاب الإثيوبي والمصري حول السد المنتظر بين الحرب والسلم، ويعيش البلدان نوعا من العداء الودي . ويتدخل في هذا النزاع المحتمل أربع دول من خارج المنطقة. ونقصد بذلك تركيا وقطر من جهة والمملكة العربية السعودية، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، من جهة أخرى. ويبقى السؤال الأكبر في هذا الصدد هو هل انطلقت دينامية الحرب ودينامية التدخل الأجنبي أم ليس بعد؟

تعيش إثيوبيا صاحبة مشروع السد العظيم ما يكفي من المشاكل الداخلية، ولا يبدو أنها تستطيع المغامرة في حرب غير محسوبة العواقب. وتوجد مصر، خصم إثيوبيا الرئيسي، في الوضعية ذاتها، حيث يتعين عليها مراقبة ما يحدث في ليبيا غربا وفي سيناء بسبب الإرهاب شرقا، ولا شك أنها تحبذ تفادي فتح جبهة جديدة في الجنوب. بينما لم تتوقف الحرب في السودان إلا سنة 2011 بعد استقلال جاره الجنوبي، ومازالت الحرب الأهلية مشتعلة في جنوب السودان. ولا تمتلك إريتريا الموارد الكافية للجوء إلى السلاح بحكم ضعفها أمام كل من السودان وإريتريا. أما بلدان الخليج وتركيا، فهي منشغلة في نزاعات أخرى، سوريا بالنسبة لتركيا واليمن بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. لذلك يبدو، رغم المظاهر والادعاءات الحربية، أن حرب النيل لن تندلع في نهاية المطاف

RELATED CONTENT

  • Authors
    October 10, 2018
    “Teach a parrot the terms ‘supply and demand’ and you’ve got an economist.” That parrot can explain to us what is happening with commodity prices (Chart 1, left side). That is, while agricultural and industrial metal prices - particularly copper - plummeted on average by over 10% since June, energy prices - especially oil - have risen nearly 20% since the beginning of the year. Brent's barrel price is now triple what it was in early 2016. Check the latest World Bank Commodities Pric ...
  • Authors
    Sabine Cessou
    October 10, 2018
    La seconde thématique des Dialogues stratégiques, dont la 6ème édition s’est tenue le 4 octobre 2018 à Paris, a porté sur les réformes en cours au sein de l’organisation panafricaine. La rencontre est d’abord revenue sur le contexte global dans lequel opère l’Union africaine (UA). La géopolitique en Afrique n’est pas seulement menée par les ex-puissances coloniales et la Chine, mais bien par les pays africains eux-mêmes, a ainsi rappelé l’ancien ministre français des Affaires étran ...
  • Authors
    Sabine Cessou
    October 8, 2018
    « Amérique latine, crises et sorties de crises », telle était la première des deux thématiques des 6èmes Dialogues stratégiques, organisés le 4 avril par HEC Paris (Centre de géopolitique) et OCP Policy Center. Un tableau mitigé a été dressé, avec des signes de reprise et une croissance supérieure à 2 % qui n’empêchent pas des situations de crise comme au Brésil, au Nicaragua ou au Vénézuela. Crise d’un modèle d’oligarchies anti-capitalistes Au Vénézuela, la corruption paraît si e ...
  • Authors
    Pascal Chaigneau
    Jérôme Evrard
    Thierry Garcin
    Jacques Gravereaux
    Moubarack Lo
    Rodolphe Monnet
    Florent Parmentier
    October 4, 2018
    Les Dialogues Stratégiques, une collaboration entre HEC Center for Geopolitics et OCP Policy Center, représentent une plateforme d’analyse et d’échange biannuelle réunissant des experts, des praticiens, des décideurs politiques, ainsi que le monde universitaire et les médias au service d'une réflexion critique et approfondie sur les tendances politiques mondiales et les grandes questions d’importance commune pour l’Europe et l’Afrique. Cette publication est issue de la 5ème édition ...
  • Authors
    Manfred Hafner
    Simone Tagliapietra
    Lucia de Strasser
    October 4, 2018
    This blog post summarizes the key findings of the new book Energy in Africa: Challenges and Opportunities, co-authored by Manfred Hafner, Simone Tagliapietra and Lucia de Strasser of the Italian think-tank, Fondazione Eni Enrico Mattei. The book, published by Springer, is freely available online. The book presents a picture of the current energy challenges on the African continent- the Sub-Saharan region in particular- and proposes pathways to an accelerated energy transition. Begi ...
  • Authors
    October 3, 2018
    TEARS OF JOY CHANGED INTO THOSE OF PAIN January 28, 1986. It was just another day in the whirlpool of news and speculations of a new Foreign Correspondent to be assigned to the White House. Shivering on his way to the most important political center of the Western World, resisting arctic cold and snow on the way to work, hardly ever seeing the President himself. Instead, he found himself on this fateful day in a rendez-vous with Tom Foley, majority leader in the House of Representa ...
  • Authors
    Carlos R. Azzoni
    October 1, 2018
    This chapter analyzes the emergence of disparities in income and development levels between Brazil’s main regions, in particular the gap that exists between the comparatively rich South and Southeast and the poorer North and West regions. Economic activity and the population are concentrated in a small part of the territory. Even within this reduced area, the geographical distribution is highly uneven. Besides concentration, regional inequalities are marked in the country in terms o ...
  • Authors
    September 28, 2018
    “ARE THEY PLAYING US? I DO NOT KNOW” There they were, the North Koreans, covered by red flags, and more red flags — a Hollywood production indeed. Were the soldiers singing? There was nothing to sing about since they're marching for endless hours, being scrutinized by cameras and bothered by aching pains of hunger, unable to speak and stimulate their voice. The colonel in charge of the marchers may discover some rusty spot on a belt buckle or a truck on parade may run out of fuel - ...
  • September 26, 2018
    Le présent Policy Brief propose un nouveau regard sur la mobilité africaine vers l’Europe, en proposant d’investir dans le capital « migrants » à travers la formation professionnelle des candidats à la migration, principalement ceux parmi eux motivés par la recherche des opportunités d’emploi en Europe. Cette qualification devrait leur permettre de développer des compétences sollicitées dans le marché de travail européen. L’idée d’implantation, dans certains pays africains, de cent ...