Publications /
Policy Brief

Back
العمل الإنساني التنموي: إعادة ابتكار المساعدات الإنسانية في حالات النزاع وما بعد النزاع – ترافع لفائدة حالة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
Authors
February 12, 2025

يستكشف هذا العرض الحاجة الملحة إلى إحداث تحول في النموذج المعتمد حاليّا في عملية تقديم المساعدات الإنسانية، في سياق حالات النزاع وما بعد النزاع، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويدعو هذا العرض إلى تبني مقاربة ذات "بعد تنموي للمساعدات الإنسانية"، تجمع بين الإغاثة الفورية والأهداف التنموية على المدى الطويل. كما يدعو هذا المقال، من خلال تركيزه على محدودية المساعدات الإنسانية التقليدية، لا سيما في سياق الأزمات الطويلة، مثل: العراق، اليمن، لبنان وغزة، لضرورة تبني آليات تمويل مبتكرة، ومنظور واقعي يخلق تلاؤما بين الجهود الإنسانية والواقع السياسي والأمني في المنطقة. ومن خلال تناولها الاحتياجات القصيرة المدى والأسباب الأساسية الكامنة وراء عدم الاستقرار، مثل إخفاقات الحوكمه والتوترات الجيوسياسية، وتسعى هذه المقاربة إلى الحيلولة دون تكرار مسلسل الدمار وعدم فعالية المساعدات التي لطالما سادت النزاعات في المنطقة، ما يتيح المجال أمام سبل مستدامة للتعافي وإحلال السلام.

تقديم

تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تقلبًا على مستوى العالم، كلما تعلق الأمر بالتدخلات الإنسانية. فمناطق النزاع مثل: العراق، اليمن، ليبيا، سوريا وغزة، غارقة في/أو تعاني من تداعيات نزاعات متكررة وطويلة الأمد، دمرت البنية التحتية، وأضعفت مؤسسات الدولة، وجعلت ملايين الأشخاص يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية للبقاء على قيد الحياة. في هذه السياقات، أثبتت المقاربات الإنسانية التقليدية قيمتها التي لا تقدر بثمن، وذلك كلما تعلق الأمر بـ: إنقاذ الأرواح، تقديم الرعاية الطبية العاجلة، توفير الطعام والمأوى لأولئك الذين يَتَهَدَّدُهم خطر مباشر. بيد أنه، ومع استمرار النزاعات وتواترها، تَبَيَّنَ أن محدودية الإغاثات الإنسانية على المدى القصير، صارت أكثر جلاءً ووضوحًا.

لقد صُمِّمَت المساعدات الإنسانية، في الأصل، لتكون حلاً مؤقتًا، لهذا فهي تلبي الاحتياجات الفورية، ولا تتعامل، إلا نادرًا، مع العوامل البنيوية لعدم الاستقرار- لأن تلك العوامل تمكن في صلب قضايا متجذرة في أشكال الخلل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. تتفاقم هذه العوامل، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بسبب: الإرث التاريخي العميق، التوترات الطائفية، وأزمات الحكامة التي لا يمكن للمساعدات التقليدية معالجتها. إن فشل التدخلات الإنسانية قصيرة الأمد، في خلق مسارات مستدامة للسلام، يصبح أكثر وضوحًا في ظل دائرة العنف المتكرر التي تتسم بها النزاعات في المنطقة.

تدعو هذا الورقة البحثية القصيرة، إلى إعادة التفكير في الإطار الحالي للعمل الإنساني الإغاثي. ويمكن القيام بذلك من خلال دمج الأهداف التنموية بعمليات الاستجابة الفورية للأزمات. يجب أن يركز "العمل الإنساني التنموي" على بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه معالجة الاقتصاد السياسي المرتبط بكل نزاع، من خلال منظور يتسم بالواقعية. من خلال هذه المقاربة الأكثر دقة في التعامل، يمكن للمنظمات الدولية والدول المانحة، تصميم تدخلات إنسانية، لا تقتصر على التخفيف من المعاناة فحسب، بل تواجه أيضًا الأسباب الجذرية الكامنة وراء عدم الاستقرار.

القصور المتزايد للمساعدات الإنسانية التقليدية

كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على مدار عقود، مركزا محوريا للجهود الإنسانية العالمية. في أعقاب الحروب في كل من العراق وسوريا واليمن، ضخ المجتمع الدولي مليارات الدولارات في عمليات الإغاثة الطارئة، بهدف إنقاذ الأرواح وتحقيق الاستقرار في المجتمعات التي مزقتها الحروب. وعلى الرغم من أن هذه التدخلات نجحت في الحد من أسوأ النتائج الإنسانية - مثل المجاعة والأوبئة -، إلا أنها كشفت، وبشكل متزايد، عن أشكال القصور الكامنة في المساعدات الإنسانية قصيرة الأمد.

في العراق، كانت هناك حاجة ماسة إلى تعبئة إنسانية واسعة النطاق في أعقاب هزيمة داعش. لكن وحتى بعد الانهيار هذا التنظيم الإرهابي إقليميا، ظلت العديد من المجتمعات المحلية في البلاد تعيش عدم الاستقرار، والسبب هو أن الانقسامات الطائفية العميقة، والبنيات السياسية الضعيفة -التي غذت صعود داعش منذ البداية، لم تُحل من جذورها. وهكذا كانت العودة إلى السلام والتنمية، مشوبة بالتحديات التي لم يكن في إمكان المساعدات الإنسانية الطارئة، لوحدها، معالجتها.

الشيء نفسه حصل في اليمن، حيث تسبب النزاع المستمر، في جعل أكثر من 20 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. لكن الأسباب الجذرية للنزاع – مثل: الانقسام السياسي، التدخلات الخارجية، والفقر المدقع – بقيت دون حل، ما ترك اليمن هشا ومعرضا لأزمات متتالية.

ولعل الوضع في غزة، يعتبر الأكثر دلالة على محدودية المساعدات الإنسانية الفورية. سنوات من الحصار الإسرائيلي، فقامتها الحروب المتكررة، والسَّحْق الشامل للقطاع على يد القوات الإسرائيلية، دون ضبط النفس، تَخَرَّبَ معها الاقتصاد، وأعطت المجتمع الدولي - كما أكدت ذلك محكمة العدل الدولية - سببًا للاعتقاد بأن إبادة جماعية تحدث أمام أعيننا.

لقد اتسمت إعادة إعمار غزة تاريخيًا بكونها عملية دورية، حيث كانت جهود الإغاثة الدولية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، تتدفق، ليتم فيما بعد تدميرها من قبل إسرائيل، في مسلسل نزاعات متتالية. هذه الدورة السيزيفية من التدمير وإعادة الإعمار، لم تهدر الموارد الثمينة فحسب، بل أدت إلى تآكل الأمل في صفوف سكان غزة، متسببة في إطالة أمد دائرة من التبعية وعدم الاستقرار والعنف المتزايد. وحينما سيحين الوقت ليكسر المجتمع الدولي هذه النمط التدميري، ستكون هناك حاجة ملحة لإعادة التفكير في جهود إعادة الإعمار، عبر اتباع مقاربة أكثر إبداعًا وذكاء من الناحية السياسية. فبدلًا من التركيز فقط على إعادة البناء المادي، يجب أن تأخذ الاستجابة العالمية بعين الاعتبار الديناميات السياسية الكامنة، مع ضمان ربط إعادة الإعمار بتحقيق تقدم فعلي في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية المتعثرة، وتوفير ضمانات في مواجهة مزيد من التدمير.

يجب إرساء إطار عمل جديد لإعادة إعمار غزة في الاتفاقيات متعددة الأطراف، بحيث تضمن الاستقرار والمساءلة على المدى الطويل. قد ينطوي ذلك على آليات مبتكرة مثل: الرقابة الدولية على مشاريع البنية التحتية الرئيسية، الضمانات القانونية الملزمة لحماية الجهود الإنسانية من التصعيد العسكري المستقبلي، والاستفادة من القنوات الدبلوماسية للضغط على إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية لمنع الأعمال العدائية المتكررة.

بالإضافة إلى ذلك، لا يجب أن تولي إعادة الإعمار الأولية فقط لتلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية، بل عليها أن تعمل أيضًا على: تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، خلق سبل عيش مستدامة، وتمكين سكان غزة من بناء القدرة على مواجهة الصدمات المستقبلية. إذا تمكن المجتمع الدولي من دمج الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية في استراتيجية إعادة إعمار أكثر شمولًا، فسيتمكن من المساعدة على تحويل غزة من منطقة حرب دائمة، إلى مكان للتنمية المستدامة والأمل.

تظهر محدودية الاستجابات الإنسانية قصيرة الأمد أيضًا في الدول المستضيفة للاجئين، مثل لبنان والأردن، فقد امتصت هذه الدول ملايين اللاجئين السوريين، ما تسبب في استنزاف مواردها الهشة أصلا. وعلى الرغم من كون المساعدات الإنسانية المقدمة لهؤلاء اللاجئين، أساسية لبقائهم على قيد الحياة، إلا أنها لم تعالج الضغوط الاقتصادية الواسعة التي تتحملها الدول المستضيفة، ومن بينها: ارتفاع معدلات البطالة، النقص في المساكن، وزيادة في الضغط على الخدمات العامة المنهكة. إن غياب الربط بين التدخلات الإنسانية والاحتياجات التنموية على المدى الطويل، لفائدة كل من اللاجئين والمجتمعات المستضيفة، يبرز الحاجة إلى مقاربة أكثر اندماجًا.

العمل الإنساني التنموي: إطار عمل جديد

يقترح العمل الإنساني التنموي، حدوث تطور وطفرة في المساعدات الإنسانية، في اتجاه تجاوز مُجَرد تدبير الأزمات، من أجل الوصول إلى التخطيط للتنمية على المدى الطويل. إن الهدف لا يجب أن يكون فقط إنقاذ الأرواح، بل يجب أن يكون أيضا تهيئة للظروف المعززة للاستقرار والانتعاش الاقتصادي والسلام. تتطلب هذا المقاربة الاعتراف بأن النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تكتسي طابعا سياسيا عميقا، وغالبًا ما تكون متجذرة في: فشل وإخفاق أنظمة الحكامة، غياب أوجه المساواة الاقتصادية، وتفاقم المظالم الاجتماعية. ومن ثم يجب تصميم تدخلات إنسانية تأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار.

من بين الأمثلة الواعدة على العمل الإنساني التنموي، هناك مشاريع البنك الدولي المنجزة في الدول المتضررة من النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في العراق مثلا، عمل البنك الدولي على إعادة تشييد البنيات التحتية، واستعادة الخدمات الأساسية، وتقوية الحكامة المحلية. أما في اليمن، فقد ركز البنك الدولي على دعم المؤسسات المحلية، حتى في ظل النزاع المستمر، في محاولة للحفاظ على الاستمرارية الاقتصادية. تظهر هذه التدخلات أن هناك فرصا لوضع الأساس للتنمية الطويلة الأمد، حتى في البيئات المتقلبة للغاية.

بيد أنه، ولكي يكون العمل الإنساني التنموي فعالا، يجب أن يتحرك ويعمل ضمن إطار واقعي يعترف بالتعقيدات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كثيرًا ما تتعرض المبادرات الإنسانية للعرقة في مواجهة الديناميات السياسية للنزاعات التي تسعى لمعالجتها. على سبيل المثال، تأثر تقديم المساعدات الإنسانية في سوريا بشدة بنظام بشار الأسد، الذي استخدم الوصول إلى المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي. بالمثل، في اليمن، قام التحالف الذي تقوده السعودية والمتمردون الحوثيون بتعقيد جهود المساعدات الإنسانية، لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية الخاصة. في ظل هذه البيئات والسياقات، يجب على المنظمات الدولية التحرك بين شبكات من المصالح المتنافسة، مما يؤثر في كثير من الأحيان إلى المساس بفعالية تدخلاتها.

الواقعية في تقديم المساعدات الإنسانية: مقاربة براغماتية

تؤكد المقاربة الواقعية في مجال المساعدات الإنسانية، على أن التدخلات يجب أن تراعي المصالح السياسية والاستراتيجية لكل من الفاعلين المحليين والدوليين. وإذا كان المثاليون قد يعتبرون أن العمل الإنساني التنموي هو مسعى محايد بطبيعته، إلا أن الوقائع على الأرض غالبًا ما يروي قصة مختلفة. في بيئات النزاع، يتم استغلال المساعدات الإنسانية، في كثير من الأحيان، من قبل الأطراف المتحاربة، حيث يتم توظيفها كورقة للمساومة أو أداة للنفوذ. ومن إدراكه لهذا الواقع واعترافه به، يجب أن يكون العمل الإنساني التنموي عمليا في أهدافه، من خلال السعي لمواءمة جهود المساعدات الإنسانية مع المشهد السياسي الأوسع.

في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعقد ديناميات السلطة بين الدول والفاعلين غير الدَّوْلَتِيين، إيصال وتقديم المساعدات الإنسانية. في لبنان، على سبيل المثال، تسبب الحضور الميداني لحزب الله، في خلق تردد لدى بعض المانحين الدوليين في تقديم بعض أشكال المساعدة، خوفًا من أنها قد تدعم هذه الجماعة بشكل غير مباشر. وفي العراق، تسيطر الميليشيات الطائفية بشكل كبير على أجزاء من البلاد، مما يؤثر في كيفية وأماكن توزيع المساعدات الإنسانية. أما في غزة، خلق الحصار الإسرائيلي الطويل الأمد، حتى قبل اندلاع النزاع الحالي، مناخا أمنيا وسياسيا مستحيلا في وجه التدخلات الإنسانية.

ومن منظور واقعي، يعتمد نجاح المساعدات الإنسانية على فهم ديناميات القوة/السلطة، على أن تتم مواءمة التدخلات مع مصالح الفاعلين المؤثرين. هذا التعامل، لا يعني التنازل أو المساس بالمبادئ الإنسانية، بل يعني الاعتراف بأن جهود المساعدات الإنسانية، يجب أن تكون ذكية سياسيًا لتحقيق نتائج مستدامة. في بعض الحالات، قد يتطلب ذلك العمل مع الوسطاء المحليين، بما في ذلك الفاعلون غير الحكوميين، لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها. وفي حالات أخرى، قد يعني ذلك استخدام الضغط الدبلوماسي لفتح الطرق أمام وصول المساعدات الإنسانية، أو الضغط في اتجاه إيجاد حلول سياسية تعالج الأسباب الجذرية للنزاع.

الوقاية من النزاع وبناء القدرة على الصمود

يوجد مفهوم بناء القدرات على الصمود، في قلب العمل الإنساني التنموي، والهدف هو تقوية قدرة المجتمعات على الصمود والتعافي من الصدمات. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يعني ذلك تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية للسكان المتضررين من النزاعات فحسب، بل يعني أيضًا مُعالجة العوامل السوسيو-اقتصادية والسياسية الأوسع، التي تجعل هذه المجتمعات عرضة للأزمات المستقبلية.

وينبغي أن تكون الوقاية من نشوب النزاعات جزءًا مركزيًا من أي تدخل إنساني. يتطلب ذلك التحول من الاستراتيجيات التفاعلية إلى الاستراتيجيات الاستباقية، التي تركز على معالجة الدوافع الأساسية الكامنة وراء عدم الاستقرار. فعلى سبيل المثال، في الأردن ولبنان، حيث تسببت تدفقات اللاجئين إلى إجهاد الاقتصادات المحلية، كان لا بد من توجيه المساعدات الإنسانية، ليس فقط لإغاثة اللاجئين، ولكن أيضًا لدعم المجتمعات المستضيفة. شمل ذلك القيام بـ: استثمارات في البنية التحتية العامة، خلق فرص عمل، تدعيم الخدمات الاجتماعية، وهي إجراءات ساهمت جميعها في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. وقد شدد البنك الدولي على هذا البعد خلال التمويل الذي قدمه.

في العراق واليمن، حيث كان فشل الحكامة أحد الأسباب الرئيسية للنزاعات، كان لا بد على جهود المساعدات الإنسانية أن تركز على تقوية المؤسسات المحلية. وكان من الممكن أن يشمل ذلك: تقديم مساعدة تقنية للحكومات المحلية، دعم مبادرات مكافحة الفساد، والاستثمار في التعليم والتكوين المهني لتزويد الشباب بالكفاءات اللازمة للمشاركة في الاقتصاد.

أما في قطاعه غزة، حيث تسبب الحصار في خنق النمو الاقتصادي، قبل اندلاع الحرب التي دمرت القطاع خلال العام الماضي، كان البنك الدولي قد أولى الأهمية للمقاربة الإنسانية المتمحورة حول التنمية، من خلال الدعوة إلى رفع القيود عن التجارة والتنقل، ما سمح بإعادة تشييد البنيات التحتية الأساسية وبتنشيط الاقتصاد المحلي. في الوقت نفسه، كان على الجهود الدبلوماسية أن تستمر للضغط من أجل إيجاد حل سياسي للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، لأن تحقيق التنمية المستدامة في فلسطين، لا يمكن أن يحدث في غياب السلام.

التمويل المبتكر للعمل الإنساني التنموي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

يبقى التمويل أحد أكبر التحديات التي تقف حجر عثرة أمام المساعدات الإنسانية والتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تواجه دول مثل لبنان والأردن والعراق واليمن أزمات معقدة وطويلة الأمد، مما يزيد من صعوبة تأمين التمويل الثابت من قبل المانحين. في هذه الحالات، يجب أن تعتمد المنظمات الإنسانية غالبًا على موارد محدودة لتقديم المساعدات الإنسانية على المدى القصير، دون وجود إمكانيات كبيرة لتحقيق الانتعاش والتنمية على المدى الطويل. وللتغلب على هذه الفجوة التمويلية، وتعزيز العمل الإنساني التنموي - وهي مقاربة تمزج بين الاستجابة للأزمات وبناء المرونة على المدى الطويل - هناك حاجة إلى آليات تمويل مبتكرة.

البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر في لبنان والأردن

إحدى الأمثلة الناجحة على التمويل المبتكر هي البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF)، الذي أنشأه، سنة 2016، كل من البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية. توفر هذه الآلية تمويلًا ميسرًا (قروضًا بفوائد منخفضة أو بلا فوائد ومنح) للدول ذات الدخل المتوسط التي تعاني من ضغط استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين بسبب الأزمات. وقد كان هذا النموذج ذا أهمية خاصة بالنسبة للبنان والأردن، اللذين تأثرا بشكل كبير بأزمة اللاجئين السوريين.

استقبلت لبنان والأردن ملايين اللاجئين السوريين منذ اندلاع النزاع السوري سنة 2011. وقد فرض هذا التدفق ضغطًا غير مسبوق على اقتصادهما وبنيتهما التحتية وخدماتهما الاجتماعية، ما زاد من تعقيد وتفاقم التحديات الموجودة. في لبنان، تجاوزت الخدمات العامة قدرتها على التحمل، في وقت كانت فيه البلاد تعاني أصلا من اضطرابات سياسية واقتصادية حادة. أما في الأردن، ورغم الاستقرار السياسي النسبي، فقد فرضت أزمة اللاجئين ضغوطًا كبيرة على الخدمات الأساسية مثل إمدادات المياه والتعليم والرعاية الصحية.

في العموم، لا تكون الدول ذات الدخل المتوسط، مثل لبنان والأردن، مؤهلة للحصول على التمويل الميسر، الذي يُخصص عادةً للدول ذات الدخل المنخفض. بيد أنه، تم تصميم البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF)، لسد هذه الفجوة، حيث تقدم هذه الآلية شروط تمويل ميسرة لهذه الدول ذات الدخل المتوسط، ما يتيح لها إدارة الأزمة الإنسانية بشكل أفضل، دون تحميل اقتصاداتها أعباء إضافية. دعمت الأموال المتحصل عليها استثمارات طويلة الأجل، في البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، مع تلبية الاحتياجات الفورية الناشئة عن أزمات اللاجئين. ويتماشى هذا التوجه المزدوج، الذي اعتمده البنك الدولي، مع مبادئ العمل الإنساني التنموي الذي يسعى لربط المساعدات الإنسانية بالأهداف التنموية الأوسع.

على سبيل المثال، استخدمت أموال البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF) في الأردن، لتقوية النظام التعليمي، من خلال الرفع من مستوى المدارس لاستيعاب الأطفال الأردنيين واللاجئين على حد سواء. ويستجيب هذا الاستثمار للحاجة الفورية للتعليم، مع مساهمته في الآن نفسه في التنمية على المدى الطويل، عبر تحسين الجودة والقدرات الإجمالية للبنيات التحتية الوطنية للتعليم. وبالمثل، تم الاعتماد على تمويل البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF) في لبنان، لدعم مشاريع التعليم والرعاية الصحية التي تعود بالنفع على المواطنين اللبنانيين واللاجئين على حد سواء. ويعتبر هذا الإجراء بالغ الأهمية للحفاظ على التماسك الاجتماعي، في سياق قد يؤدي فيه التنافس على الموارد المحدودة، إلى مزيد من عدم الاستقرار.

وعلى الرغم من أن البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF) لم يخلُ من تحديات، - حيث إن القروض الميسرة أضافت مزيدا من الالتزامات المالية للدول المستفيدة-، إلا أنه يمثل نموذجًا واعدًا للطريقة التي يمكن أن يدعم بها المجتمع الدولي، بعض الدول التي تواجه أزمات إنسانية استثنائية. من خلال توفير تمويل ميسر للدول ذات الدخل المتوسط مثل لبنان والأردن، يساعد البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF)، على ضمان قدرة هذه الدول على تلبية احتياجات اللاجئين والسكان المحليين على حد سواء، مع تجنيب تلك البلدان أزمات مالية عميقة.

لقد قدم نجاح البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF)، في لبنان والأردن، درسًا قيمًا للدول الأخرى التي تواجه أزمات مماثلة. في الواقع، تم توسيع هذا النموذج ليشمل دولًا في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية أيضًا، حيث استفادت من التمويل الميسر لإدارة تدفقات اللاجئين وحالات الطوارئ الإنسانية.

آليات تمويل مبتكرة أخرى: التمويل المختلط وسندات التأثير الاجتماعي

إضافة إلى التمويل الميسر، هناك آليات تمويل مبتكرة أخرى يمكنها أن تدعم العمل الإنساني التنموي. واحدة من هذه الآليات هي التمويل المختلط (blended finance)، الذي يجمع بين التمويلين العام والخاص لدعم المشاريع التنموية. فمن خلال تجميع الموارد من المنظمات متعددة الأطراف، وحكومات الدول المانحة، والمستثمرين الخواص، يمكن للتمويل المختلط أن يساعد في سد الفجوة بين المساعدات الإنسانية القصيرة الأجل والمبادرات التنموية طويلة الأجل. ولقد تم اعتماد هذا المقاربة بالفعل، في دول تعاني من النزاعات مثل العراق، حيث تعاون البنك الدولي مع مستثمرين خواص لإعادة تشييد البنيات التحتية، بما في ذلك أنظمة الطاقة التي دمرتها النزاعات.

بدورها تعتبر سندات التأثير الاجتماعي (SIBs)، أداة مبتكرة لتمويل العمل الإنساني التنموي. تتيح هذه السندات للمستثمرين الخواص تمويل البرامج الاجتماعية، حيث تكون العوائد مرتبطة بنجاح تلك البرنامج في تحقيق نتائج محددة سلفا، مثل الخفض من البطالة أو تحسين الخدمات الصحية. يمكن استخدام سندات التأثير الاجتماعي، في المناطق المتضررة من النزاعات، لتمويل مشاريع تهدف إلى تقوية الصمود، مثل إطلاق برامج للتكوين المهني لفائدة الشباب، أو مبادرات لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق المحرومة. ينسجم التركيز على النتائج القابلة للقياس مع إطار العمل الخاص بالعمل الإنساني التنموي، والذي يسعى إلى الجمع بين الإغاثة قصيرة الأمد والتقوية الطويلة الأجل للقدرات.

التمويل الجماعي/التعاوني وسندات الشتات/المغتربين

توفر أداتا التمويل الجماعي/التعاوني وسندات الشتات/المغتربين، سُبُلاً إضافية لتعبئة الموارد لدعم الجهود الإنسانية والتنموية. في دول مثل لبنان، حيث يلعب الشتات/المغتربون دورًا كبيرًا في الاقتصاد الوطني، يمكن استخدام منصات التمويل الجماعي/التعاوني لجمع الأموال بغرض تمويل مجموعة متنوعة من المشاريع، بدءًا بإعادة بناء المدارس ووصولا إلى توفير الرعاية الطبية للاجئين. إن الاستفادة من الموارد المالية والشبكات الاجتماعية للجاليات المهاجرة، يسمح للمنظمات الإنسانية بالحصول على تمويل لمشاريع قد يتم تجاهلها من قبل المانحين التقليديين.

تعد سندات الشتات فعالة خصوصا في البلدان التي تحتفظ فيها الجاليات المهاجرة بروابط قوية مع أوطانها، ولديها اهتمام كبير وراسخ بتنميته. ومن خلال تقديم عوائد مالية جذابة، يمكن لسندات الشتات تشجيع الاستثمار في المشاريع التي تسهم في الإغاثة الإنسانية الفورية وأيضا في التنمية طويلة الأجل. تم استخدام هذه الآلية بنجاح في دول مثل إسرائيل والهند، ويمكن تكييفها لاستخدامها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتمويل مشاريع البنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية في المناطق المتأثرة بالنزاع.

تعزيز التنسيق بين المانحين والفاعلين الإنسانيين

لا تكفي الآليات المبتكرة للتمويل وحدها لضمان نجاح العمل الإنساني التنموي. هناك أيضًا حاجة ملحة لتحسين التنسيق بين المانحين والمنظمات الإنسانية، لضمان استخدام الموارد بشكل ناجع فعال وملائم. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، غالبًا ما تكون جهود المساعدات الإنسانية مجزأة، وهو ما يؤدي إلى تكرار الجهود وإهدار الموارد القيمة.

إن اتباع مقاربة أكثر تنسيقًا، مع تقسيم واضح للعمل بين الفاعلين الإنسانيين والتنمويين، أمر ضروري للرفع من أثر المساعدات الإنسانية. يتطلب هذا الأمر وضع مبادئ توجيهية وأطرًا واضحة للتعاون، إضافة إلى التزام المانحين بتوفير تمويل قابل للتنبؤ ومرن، يمكن تكييفه مع احتياجات الدول المتأثرة بالأزمات.

دور المنظمات متعددة الأطراف

تضطلع المنظمات متعددة الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بدور حاسم في النهوض بالعمل الإنساني التنموي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تمتلك هذه المؤسسات الموارد والخبرات التقنية والنفوذ السياسي اللازم لتنفيذ مشاريع تنموية على نطاق واسع، في الدول الهشة والمتأثرة بالنزاع. ولكن، لكي تكون تلك التمويلات فعالة، يجب عليها أن تتبنى استراتيجيات أكثر مرونة وتكيفا، تمزج بين جهود الإغاثة الإنسانية والتنمية.

على سبيل المثال، كان البنك الدولي في طليعة الجهود المبذولة لربط المساعدات الإنسانية بالأهداف التنموية طويلة الأمد، من خلال استراتيجيته الخاصة بالتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف (FCV). تركز هذه الاستراتيجية على بناء المرونة والواقية خلال فترات النزاعات، من خلال: الاستثمار في الحكامة، تقوية المؤسسات، والدفع بالنمو الاقتصادي الشامل. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، مثل الفقر والإقصاء السياسي، تهدف استراتيجية التعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، إلى تهيئة الظروف اللازمة للاستقرار والتنمية على المدى الطويل.

تعتمد نجاحات المنظمات متعددة الأطراف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أيضًا، على قدرتها على فهم السياق السياسي والاجتماعي المحلي وعلى القدرة على التحرك فيه. يجب أن تكون الجهود التنموية قائمة على فهم عميق للاقتصاد السياسي للمناطق المتأثرة بالنزاعات، ولمصالح الفاعلين الرئيسيين. يتطلب هذا الأمر مزيدًا من التعاون مع الفاعلين المحليين، ومقاربة أكثر دقة وتفصيلًا في تصميم وتنفيذ المشاريع.

 

خلاصة: مقاربة استراتيجية للعمل الإنساني التنموي

لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه بعضاً من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا وطولًا في العالم، نتيجة للاضطرابات السياسية والاقتصادية ذات الجذور العميقة، التوترات الطائفية، والتدخلات الخارجية. ولئن كانت المساعدات الإنسانية التقليدية قد أنقذت عددا لا يُحصى من الأرواح، إلا أنه يبدو جليا أن هذا المقاربة لم تعد وحدها كافيةٍ لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع وعدم الاستقرار. لذا، هناك حاجة اليوم إلى مقاربة أكثر استراتيجية وذات بعد تنموي للمساعدات الإنسانية، تجمع بين الإغاثة الفورية والأهداف التنموية طويلة الأمد، لبناء القدرة على الصمود والوقاية من نشوب نزاعات مستقبلية.

تقدم الآليات التمويلية المبتكرة مثل: البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسّر (GCFF)، التمويل المختلط، سندات التأثير الاجتماعي، وسندات الشتات/المغتربين، طرقًا واعدة لسد الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية قصيرة الأمد والأهداف التنموية طويلة الأمد. يمكن أن تساعد هذه الآليات، إلى جانب التنسيق الجيد بين المانحين والمنظمات الإنسانية، على ضمان استخدام الموارد بشكل فعال لخلق تغيير إيجابي دائم في الدول المتضررة من النزاعات.

إن التحدي اليوم، بالنسبة للعاملين الدوليين في مجال العمل الإنساني، هو تجاوز النماذج التقليدية للمساعدات واعتماد مقاربة استراتيجية أكثر اندماجا، لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لن يتطلب ذلك مزيدا من آليات التمويل المبتكرة فقط، بل أيضًا فهمًا أعمق للديناميات السياسية والاقتصادية التي تغذي عدم الاستقرار في المنطقة. إذا تم تحقيق ذلك، يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في بناء بيئة أكثر استقرارًا لفائدة الملايين من الأشخاص المتأثرين بالنزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

RELATED CONTENT

  • Authors
    February 12, 2025
    يستكشف هذا العرض الحاجة الملحة إلى إحداث تحول في النموذج المعتمد حاليّا في عملية تقديم المساعدات الإنسانية، في سياق حالات النزاع وما بعد النزاع، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويدعو هذا العرض إلى تبني مقاربة ذات "بعد تنموي للمساعدات الإنسانية"، تجمع بين الإغاثة الفورية والأهداف التنموية على المدى الطويل. كما يدعو هذا المقال، من خلال تركيزه على محدودية المساعدات الإنسانية التقليدية، لا سيما في سياق الأزمات الطويلة، مثل: العراق، اليمن، لبنان وغزة، لضرورة تبني آليات تمويل مبتكرة، ...
  • Authors
    Bilal Mahli
    November 14, 2024
    The Middle East and North Africa (MENA) region is characterised by its diversity in political systems, economic conditions, and social structures. It is home to a mix of high-income countries such as Qatar, Saudi Arabia, and the United Arab Emirates, as well as low-income and conflict-affected states like Yemen and Iraq. This diversity creates a complex environment for think tanks. Political instability in some areas, coupled with economic uncertainty, presents a challenging landsca ...
  • Authors
    October 22, 2024
    This paper explores the urgent need for a paradigm shift in humanitarian aid within conflict and post-conflict settings in the MENA region, advocating for a ‘developmental humanitarianism’ approach that integrates immediate relief with long-term development goals. Focusing on the limitations of traditional aid, particularly in protracted crises such as in Iraq, Yemen, Lebanon, and Gaza, the paper argues for innovative financing mechanisms and a realist perspective that aligns humani ...
  • Authors
    September 20, 2024
    Le minilatéralisme, approche flexible et rapide de la coopération internationale, s'avère efficace pour relever des défis communs entre un petit nombre d'États. Inspiré du « Dialogue 5+5 » méditerranéen, ce concept est proposé pour renforcer la coopération euro-africaine dans l'espace atlantique, en créant un forum « 3+3 » réunissant l'Espagne, la France, le Portugal, le Maroc, la Mauritanie et le Sénégal. Ce cadre permettrait de répondre aux enjeux sécuritaires, économiques et migr ...
  • February 16, 2024
    Le bassin méditerranéen concentre dans son espace restreint tous les enjeux et des défis de la mondialisation et est confronté à l’ensemble des risques qui en découlent. Frappée par le dé ...
  • January 17, 2023
    In this episode with Mr. Alessandro Minuto-Rizzo, President of the NATO Defense College Foundation in Rome, explores into the complex challenge confronting Italy and other Mediterranean nations as they grapple with intercepting migrant crossings. This involves exploring the use of milit...
  • November 30, 2021
    Pourquoi ce thème ? Pourquoi, alors que nous traversons une pandémie sans précédent, l'auteur a-t-il décidé de comprendre les liens entre la Chine, l'espace arabo-africain et les nouvelles routes de la soie ? À cause du Covid-19, le monde se trouve à un tournant historique et stratégique du processus de mondialisation. Selon ses observations (comme homme politique), cette pandémie est bien plus qu'une crise sanitaire, c'est une crise globale qui a des impacts sociaux, économiques, ...
  • Authors
    Pascal Chaigneau
    Eugène Berg
    Rodolphe Monnet
    Jacques Gravereau
    Jérémy Ghez
    Olivier Tramond
    Niagalé Bagayoko
    Alain Oudot de Dainville
    Jérôme Evrard
    Coordination de l’ouvrage: Imane Lahrich
    Fatine Cherkaoui
    October 28, 2021
    Depuis l’accession au trône du Roi Mohammed VI, l’Afrique s’est transformée en priorité de la diplomatie marocaine. Sur le plan économique, l’Afrique est devenue le prolongement naturel du Maroc en termes d’investissements et d’implantations. Pascal Chaigneau s’attarde sur les relations affaiblies Europe-Afrique, l’ambitieuse relation Chine-Afrique ainsi que les relations entre la Russie, les Etats-Unis, la Turquie ou encore les pays du Golf et l’Afrique. Ce chapitre traite égalemen ...
  • Authors
    July 16, 2021
    The BDA Currents: Where Diplomacy Meets Business, is the Brussels Diplomatic Academy’s annual report covering the wider geopolitical and other factors influencing and affecting the world of diplomacy, international relations and global business. The journal focuses on issues of topical interest around the centers of global power, influence and importance, including the continents of Europe and Africa, the Middle East, China, India & Asia, Russia and the Commonwealth of Independe ...