Publications /
Opinion

Back
لجان القوى العاملة القطاعية، أو حينما تكون الحركة العمالية داعمة لتنمية اقتصادية واجتماعية مندمجة
Authors
May 2, 2019

يعاود الفاتح من ماي اطلالته السنوية لينقش في الذاكرة تخليدا لأرواح نقابيي شيكاغو التي ضحوا بها في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر إيمانا بضرورة تحسين شروط وظروف العمل، ووجوب حصر ساعاته اليومية في حدود الثمانية.

وبعد قرابة ثلاثين عاما على أحداث شيكاغو، سيعرف المغرب - مع انتشار العمل المأجور خلال فترة الحماية - تأسيس أولى نقاباته، بمفهومها الحديث، بعد ترخيص الاقامة الفرنسية لنشاطات كل من "الجمعية العامة لموظفي الحماية" في ماي سنة 1919, يليها "تجمع الشحن والافراغ المغربي" في يونيو، ثم "اتحاد وداديات شغيلة الكتاب بالدار البيضاء" في يوليوز من نفس السنة [البير عياش - الحركة النقابية في المغرب - الجزء الأول].

ومنذ نشأتها في المغرب، عمدت النقابات إلى شغل مكانها الطبيعي في منظومة القضايا العمالية. فكان إقرار الحقوق النقابية وتحسين شروط وظروف العمل أولى أولوياتها. إلا أن الظرفية آنذاك سرعان ما فرضت معركة الاستقلال كأولوية لدى الحركة العمالية واجهزتها النقابية المختلفة.

ومع تحقيق الاستقلال، عادت الحركة العمالية لتنشط كمؤسسة رئيسة في سوق العمل المغربي ومساهم مؤثر في صياغة المجموعة الواسعة من القواعد والسياسات المنضمة لهذه السوق

وبمعية الجهات الفاعلة الأخرى، تمخضت سنوات من الحوار الاجتماعي فأنجبت حاضر مؤسسات سوق العمل بالمغرب. حاضر يصفه المختصون في اقتصاديات سوق العمل بالصلابة، ويتسم بالقصور على أوجه ثلاث، على الأقل، إذا علمنا أن استحضار مؤسسات سوق العمل يستدعي بالضرورة النظر في مجموعة واسعة من القواعد والجهات الفاعلة والسياسات بداية بمدونة الشغل، مرورا بسياسات التوظيف (التدريب، الوظائف المدعومة، الوساطة، التحفيز، إلخ) وصولا إلى بعض السياسات الاجتماعية التي تؤثر في العرض والطلب على العمل.

أما الوجه الأول للقصور فهو دلك الدي ترتسم فيه ملامح عدم شمولية آليات تسيير سوق العمل والعلاقات داخله. إد تستثني هده الآليات تغطية شريحة واسعة من العمال، خصوصا الممارسين في القطاع اللانظامي. ويشمل هدا النوع، حسب منظمة العمل الدولية، فئات واسعة من العاملين لحسابهم الخاص والعمال الدين يفتقدون للحماية الاجتماعية وفي بعض الحالات العمال الزراعيين وعمال المنازل. ولا يمكن لآليات سوق غير شاملة أن تضمن النجاعة الكافية من أجل سوق تتوازن فيه كمية العمل وقيمته، أو تقرب إلى ذلك، علما أن قيمة العمل هنا ترادف الظروف العينية والغير عينية لمزاولة هذا الأخير.

أما الوجه الثاني للقصور فيرتبط ارتباطا وثيقا بالأول. إد أن عدم شمولية مؤسسات سوق العمل تأتي جزئيا كمحصلة التمثيلية النقابية المحدودة في بعض الفئات العمالية دون غيرها. فلم تستطع النقابات في المغرب أن تدرج العمال اللانظامين ضمن تمثيلياتها رغم مالهم من وزن في مجموع القوى العاملة. أضف إلى هدا انحصار التنظيم النقابي في القطاع الخاص خلال الثلاثين عاما الماضية وتركزه في الوظيفة العمومية التي لا تشكل إلا ما قدره 10% من مجموع العاملين. وفي ضل هاته المعطيات، فلا يمكن لمفاوضات جماعية، أو حوار اجتماعي، إلا إن تحيد عن تناول قضايا أجزاء واسعة من سوق العمل المغربي، ولا يمكنها إلا أن تقود، تراتبيا، لآليات يصعب معها ضمان الالتقاء الأمثل بين العرض والطلب كما ونوعا في قطاعات واسعة من هذه سوق.

أما وجه القصور الثالث فيتجلى في الطابع الموحد والنمطي لآليات سوق العمل في المغرب، في حين أن عديدا من آليات نظريات العمل الحديثة تقوم على الطبيعة المجزأة لأسواق العمل، وعلى أهمية التأثيرات المؤسسية والاجتماعية على العمالة والتوظيف. وهذا يجعل من الصعب تبني رؤية مندمجة ونهج قابل للتكيف مع كل قطاع من قطاعات سوق العمل. ويعتبر وجه القصور هدا نتيجة شبه حتمية للأولين، هو لا يمكن أن يراعي - في جوهره- خصوصيات كل قطاع على حدا بما يتماشى مع تطورات سوق العمل من جهة والبنيات الاقتصادية الوطنية من جهة أخرى.

وفي ضل هاته المعطيات، لعل مسار الحركة العمالية في كندا، وتحديدا في منطقة كيبك، هو خير مرشد وملهم على درب تجاوز المطبات الثلاث -المذكورة- التي ترسم حاضر مؤسسات سوق العمل في المغرب. فمنذ انشائها للصناديق الاستثمارية العمالية في منتصف عام 1983, أصبحت النقابات فاعلا رئيسا في خلق الثروة ومناصب الشغل في كيبك، فنقلت العمل النقابي إلى مرحلة جديدة عنوانها الإبداع والتغيير. هذا الوسم [الإبداع والتغيير] تجاوز الإسهام في تعزيز الطلب على اليد العاملة ليطال إدارة العرض عبر ما يسمى بلجان القوى العاملة القطاعية التي تعد النقابات طرفا أساسا فيها جنبا إلى جنب مع كل من المشغلين والجمعيات المهنية والأكاديميين والهيئات المنتخبة إضافة إلى ممثلي الدولة.

 وتقوم لجان القوى العاملة القطاعية بتشخيص معوقات العمل والعمالة في قطاع نشاطها ثم تقوم بوضع وتنفيذ الإجراءات اللازمة للتصدي لها بالتشاور مع الهيئات الأخرى لمنظومة شركاء سوق العمل. بالإضافة، تقوم هذه اللجان برصد الخصاص أو الفائض العمالي في قطاعها فتوفر التكوين والتدريب اللازمين من أجل سد الخصاص في القطاع وتسيير الانتقال إلى قطاع آخر حال وجود فائض. ومن جهة أخرى، فهي تلعب دورا هاما فيما يخص إذاعة المعلومات المتعلقة بالعرض والطلب بين مختلف الفاعلين في سوق العمل. 

أخيراً، بتبنيها مبدأ التشاور والشراكة، فإن اللجان القطاعية تسهم في رسم رؤية مشتركة لتحديات سوق الشغل كما تدعم التوافق بين رؤى القطاعات المختلفة لسوق العمل وقطاع التعليم والتدريب ورؤى القطاعات الحكومية الوصية إضافة لمختلف الفرقاء مكرسة بذلك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة.

ويبقى استنساخ مثل هذه التجارب، وربما غيرها، صعبا مع ضعف تمثيل جميع أطياف العاملين بما يساير التغيّرات في بنية القوى العاملة. وهنا تبرز محورية الأشكال التنظيمية المختلفة التي تكسر مع المركزية من أجل التعامل مع تشتت وتنوع القوى العاملة.

RELATED CONTENT

  • Authors
    November 1, 2024
    Using panel data from a large group of developing economies and a Generalized Method of Moments (GMM) estimator, we examine the effects of trade and other factors on female labor-force participation and wage employment. We focus particularly on comparing the effects of trade openness in the Middle East and North Africa (MENA) region with Latin America and the Caribbean (LAC) and sub-Saharan Africa (SSA). The empirical results indicate that trade openness affects female labor-force p ...
  • October 3, 2024
    Ce rapport explore en profondeur le rôle stratégique de la formation professionnelle au Maroc dans le contexte de l’éducation nationale et du développement socio-économique. Il examine les missions et les objectifs du département de la Formation professionnelle (DFP), en mettant l’accent sur l’alignement des compétences individuelles avec les besoins dynamiques du marché du travail. À travers une analyse détaillée, le rapport décrit l’organisation du système de formatio ...
  • Authors
    Zakaria Elouaourti
    September 26, 2024
    This Paper was originally published on emerald.com   Purpose Young graduates in Morocco are encountering an increasingly challenging labor market environment. Confronted with intense competition, job insecurity, and unclear career trajectories, many find themselves in low-skilled positions despite possessing relevant qualifications. This issue is particularly pronounced among vocational training graduates, who experience professional downgrading at a rate three times higher (33.6 ...
  • Authors
    Zakaria Elouaourti
    September 13, 2024
    This Paper was originally published on emerald.com   Purpose This paper examines the dynamics of structural transformation in Morocco since 1970 by analyzing input-output tables expressed in terms of employment and output levels across 24 sectors. Design/methodology/approach This study employs a twofold methodological approach. Firstly, it examines the evolution of sectoral employment shares over time using World Bank data. Secondly, it utilizes Input-Output analysis to examine ...
  • August 16, 2024
    Cette vidéo offre une réflexion structurée sur le rôle essentiel de la jeunesse dans la réalisation des Objectifs de Développement Durable, en mettant en lumière trois dimensions clés : l'éducation de qualité (ODD 4), le travail décent et la croissance économique (ODD 8), ainsi que la s...
  • July 9, 2024
    يشكل التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا في سوق الشغل. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 40% من الوظائف العالمية قد تتأثر بالذكاء الاصطناعي، وأن ما يقرب من نصف المهارات الأساسية المطلوبة في الشركات اليوم ستشهد تغييرات. فإلى أي مدى يستعد سوق العمل في المغرب للتكيف مع هذا الوا...
  • June 27, 2024
    Ce document explore les dynamiques de l'intermédiation sur le marché du travail marocain, en mettant en lumière les frictions, l'efficience et la distance transactionnelle. L'intermédiation, essentielle pour réduire les obstacles et améliorer l'efficacité du marché, est analysée à travers plusieurs perspectives théoriques et pratiques, y compris la courbe de Beveridge et les modèles d'appariement. Le document détaille le rôle des services publics de l'emploi, notamment ...
  • June 19, 2024
    Le marché du travail marocain, marqué par un dynamisme démographique et économique, est confronté à des défis majeurs : un chômage persistant, une inadéquation entre les compétences et les besoins du marché, et une faible participation des jeunes et des femmes. Pour y répondre, l'État a mis en place des Politiques Actives du Marché du Travail (PAMT) à travers l'ANAPEC (Agence Nationale pour la Promotion de l'Emploi et des Compétences). Ce document analyse l'efficacité des programme ...
  • Authors
    Abdelkhalek Touhami
    Dorothee Boccanfuso
    May 9, 2024
    L'idée d'un effritement de la classe moyenne marocaine est répandue, suggérant un glissement vers une classe aisée toujours plus riche et des classes plus pauvres ce qui sous-entend une augmentation de la polarisation dans la société. Cependant, aucune étude basée sur des données n'a été menée pour confirmer cette perception. Notre étude comble ce vide en analysant l'évolution de la classe moyenne entre 2012 et 2019. En utilisant la définition opérationnelle de Abdelkhalek (2014) de ...
  • May 2, 2024
    This article was originally published on tandfonline.com   This article explores the intricate relationship between economic growth and unemployment across multiple African countries, with a focus on estimating the Okun’s coefficient. Data from the International Labour Office (ILO) and the World Bank’s databases for 39 African nations were utilised. Two distinct methodological approaches, first differences and the Hodrick-Prescott (HP) filter, were employed to assess result robust ...